بغـــــــــــــــــــــــــــــــــــــداد

بغداد


مازلْتُ أكتُمُ آهاتي وأنتحب =
وهل لغيرِكِ بعد الله أحتسِبُ =
طال اصطباري على البلوى وأرّقني
همٌّ يمزّقُ أحشائي ويلتهبُ ==
يُذكيهِ في خافقي مَنْ كنتُ أحسبُهُمْ
أهلي وكنتُ لهمْ بالمجدِ أنتسِبُ =
وكمْ فَخَرْتُ بهمْ والزيفُ أوهمني =
أنّ الأُلى نطقوا بالضادِ هُمْ عربُ =
وخاب ظنّي وقدْ ألفيْتُ مَنْ لبِسوا
تلكَ العباءاتِ مِنْ أوهامِهِمْ رُعِبوا
فيا(رُصافةُ)لاتنُحي بلائمةٍ =
عليَّ إنْ كُنتُ عنْ عيْنيْكِ أحتجِبُ
فإنَّ دمعي على بغداد مُنهمِلٌ =
وإنَّ قلبي على الأمجاد ينتحِبُ =
غنّيتُ بالأمس للأعياد مُبتهجاً =
وفي رياضِكِ يحلو الشدْوُ والطربُ
فكمْ طرِبتُ لشعرٍ كنتُ أسمعُهُ =
يفيضُ من نبعِكِ الصافي وينسكبُ
وكمْ تغزَّلتُ في شعري بفاتنةٍ =
تمثّلتْ فيكِ تُغري مَنْ بها كتبوا =
وكمْ سكرتُ بلا خمرٍ وقدْ عبرَتْ
نسائمٌ من روابي (الكرْخِ)تقتربُ
أستافُ منها عبيرَ البيدِ مُفعمةً =
بما تجودُ به الصحراءُ والسُّهُبُ =
كمْ ذكّرتْني بتاريخٍ يشِعُّ سنىً =
وتسْتضيءُ به الأفلاكُ والشُّهُبُ =
خطَّ الجدودُ بسِفْرِ المجدِ أحرُفهُ =
فما أحاطتْ به الأقلامُ والكُتُبُ =
سقى الحضاراتِ من نَبْعٍ تفيضُ به
شتّى العلوم ويزهو الفنُّ والأدبُ =
وكان للغرْبِ نوراً يستضيءُ به =
إذْ كان بالجهلِ والإملاقِ يضطربُ
زفَّ (الرشيدُ) لهمْ عِلْماً تجودُ به =
(دارُ السلامِ) وكمْ من كأسها شربوا
واستنشقوا نَسَماتِ السِّلْمِ من بلَدٍ
راياته بهُدى الإسلامِ تنـتصبُ =
فيانسيماً من الأهوارِ باكَرَنا =
مابالُكَ اليومَ بالأحزان تختضِبُ =
أجِئْتَ من دِجلةٍ حتى اصطبغتَ دماً
أمْ أنَّ مسراكَ من بغدادَ ينسربُ =
حتى خطرْتَ ببُرْدِ الليلِ مُتَّشِحاً =
وأعتمتْ من حريق (البصرةِ) السُّحُبُ
وأمطَرَتْ حمُماً بالحقدِ مُفعمةً =
يذوبُ في جمرها الصوّانُ والكُثُبُ
تُذري بأشلاءِ أطفالِ العراق ولا =
يهتزُّ ممّنْ أنرْنا ليلَهُمْ عصَبُ =
عضّوا يداً أنقذتهُمْ من جهالتِهِمْ
أنَّ الزنيم على راعيهِ ينقلبُ =
جاؤوا بأسلحة التدمير واعتقدوا
أنَّ السلامَ بما ألقوا وما ضربوا =
وهدَّموا كلَّ بيتٍ آمنٍ وهُمو
يفاخرون بما هدّوا وما ضربوا =
وروّعوا الشِّيبَ والأطفال في سَفَهٍ
وأحرقوهُمْ كما لوْ أنّهُمْ حطَبُ =
لمْ يعرفوا سبباً للقتلِ فاخْتلَقوا
من الأكاذيبِ والأقوال مارَغِبوا =
يحْدوهُمُ طمعٌ في َنهْبِ أُمّتنا
وحُبُّ إذلالِنا جهراً هو الأرَبُ =
كفّي عن القتلِ(أمْريكا)فنحنُ كما
ترَيْنَ في فُرْقةٍ بالخُلْفِ نُسْتَلبُ =
الجارُ منّا يُعادي الجارَ مُفتخراً
ويقتُلُ الإبنَ من أجلِ الثّراءِ أبُ =
ويفرحُ الأخُ إنْ أذللتِ إخوَتَهُ
ونزوةُ الحقدِ في جنبيْهِ تلتهبُ =
حقّقْتِ أهدافَكِ الكُبرى بأُمتِنا
ومات فيها إخاءُ الدينِ والنَّسَبُ
سمّمْتِ أفكارَ مَنْ في غِيِّهِمْ حسِبوا
أنَّ الفضائلَ في تاريخِهِمْ كَذِبُ =
سقيْتِ قادتَهُمْ تيهاٍ وعجرفةً
فمِنْ سُمومِكِ والطُّغيانِ كمْ شربوا
ساموا شُعوبَهُمُ ظُلْماً كما أُمِروا
لِيعْظُمَ الخطْبُ بين الناس والشَّغَبُ
ليسْتَجيرَ بكِ الحُكّامُ إنْ وثبتْ
شُعوبُهُمْ ، وجماهيرٌ بهمْ نُكِبوا =
كأنّكِ المُنقذُ الآتي لِنُصرتِهِمْ
ومنكِ جاء الأسى والويْلُ والرُّعُبُ
فرَّقْتِ بين قلوبِ الناس فاختلفوا
حتى تخاصم جفنُ العينِ والهُدُبُ =
وليس يعنيكِ مَنْ جاروا ومَنْ ظُلِموا
فقد تساوى لديكِ الرأْسُ والذّنبُ
تُساومينَ على ثرْواتِ أُمّتِنا =
والنّفْطُ قصدُكِ إنْ ساومتِ والذّهبُ
صنعتِ من نفطِنا المهدورِ أسلحةً
بالحِقدِ والغدرِ والإرهابِ تنسكبُ
وهبْتِها لِمَنْ اغتالوا ومَنْ سرقوا
ومَنْ كمِثْلِكِ مِنْ خيراتِنا نهبوا =
فمِنْ صنيعِكِ(إسرائيلُ) إنْ بطشَتْ
كما بطَشْتِ ببغدادٍ فلا عَجَبُ =
كلاكُما مِنْ بذورِ الشرِّ منبتُهُ
ومنكُما يُسْتقى الطُّغيانُ والرَّهَبُ
أرهبتُما كلَّ شعْبٍ آمنٍ وإذا
لمْ يستجِبْ فمعَ الإِرهابِ يُكتتبُ
* * *
تروي الدياناتُ أنَّ الأرض زائلةٌ
والحشْرُ بعد فناءِ الكونِ يُرْتَقَبُ =
ومن علاماتِ ذاكَ اليوم أنَّ به
كلَّ القوانينِ والأَعرافِ تنقلِبُ =
ويكثُرُ الفُسْقُ و(الدجّالُ) ينشُرُه
ويكثُرُ الظُّلمُ والتضليلُ والكذِبُ =
فياتُرى أيُّ دجّالٍ يضلِّلُنا =
(شارونُ) أمْ (بوشُ) أمْ بالقهرِ نُستَلَبُ
أم أنَّ شخصينِ في روحٍ قد اتّحدا
والشرُّ يسكُنُ تلكَ الروحَ والرُّعُبُ

يستمتعان بإحراقِ العراقِ كما
(نيرون) في حرْقِ روما هزَّهُ الطَّربُ
أو أنَّ إبناً (لهولاكو) يعود إلى
بغداد والحقدُ في جنبيْهِ والغضبُ =
وقدْ خلا الساحُ من فرسانِهِ جَزَعاً
والحاكمون الذين استسْلموا لُعبُ
فخفِّفي عنكِ يابغدادُ واعتصمي
باللهِ إنْ خذلتكِ القادةُ العرَبُ =
لابدَّ يومٌ سيأْتي بعد غُربتِهِ =
مِنْ هولِهِ تسقُطُ التيجانُ والرُّتبُ
ويكسِرَ القيدَ شعبٌ لاينامُ على
ضيْمٍ ولو كان بالإرهابِ يُغتصَبُ
والنَّصرُ للشعبِ مهما ضلَّلوهُ فلنْ
تُعمي بصيرتَهُ الأستارُ والحُجُبُ